تأليف :
العلامة الشيخ محمد عوامة
أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء
ويليه أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين
نواة هذا الكتاب محاضرة ألقاها المؤلف في جامع الروضة بحلب الشهباء ، سنة ( 1398 هـ ) ، وقد رغب كثير من الإخوة بطباعتها ؛ لنفاستها وغزارة ما فيها ، فاستجابةً لذلك قام المؤلف بنشر هذه الدرة الثمينة ، التي يحتاجها كل طالب علم بل وكل غيور على دينه .
إن هذا الكتاب هو جسرٌ بين علمي الرواية والدراية : رواية الحديث وفقهه ، هذا الكتاب يوقف المسلم على براعة أئمة الإسلام في طرق استنباطهم لأحكام هذا الدين الحنيف ، ويوقفه أيضاً على ما بذلوه من جهد عظيم في هذا الاستنباط ، وعندها تخيم السكينة والطمأنينة إلى أئمة الدين الذين استنبطوا لنا هذه الأحكام .
وعندما يطلع المسلم على أسباب الاختلاف ، وأن كل واحد منهم طالب حق ، وأن سبب اختلافهم هو الدليل الذي بين أيديهم ، فلا عصبية ولا أنانية ولا تكابر . . عندها تطمئن النفوس لهؤلاء الأعلام ، هذا الموضوع هو مدخل إلى زاويةٍ من زوايا الاجتهاد .
ولصعوبة هذا الموضوع وتشعبه لزم تحديد جانب من جوانبه ؛ وهو أثر الحديث في اختلاف الأئمة الفقهاء ، فعرض المؤلف في مقدمة الكتاب منزلة الحديث الشريف في نفوس الأئمة رضي الله عنهم ومكانته .
ثم عرض المؤلف أربعة أسباب مفصَّلة : الأول : متى يصلح الحديث الشريف للعمل به ؟ والثاني : اختلاف الأئمة في فهم الحديث الشريف ، والثالث : اختلاف مسالكهم بين المتعارض من السنة ظاهراً ، الرابع : اختلافهم لتفاوتهم في سعة الاطلاع على السنة .
في هذه المباحث أجوبة لأسئلة كثيرة ، وإيضاح لقضايا مهمة ، وقع فيها الخلط والتشويه ، فأتى خلال هذه الأسباب بشبهاتٍ تعرض لكثيرٍ من الناس ، ويضطربون في فهمها وفي الجواب عنها ، فأزال عمايتها وجلاها لطالبيها .
وزبدة القول والخلاصة فيه : أن هؤلاء الأئمة لهم طرق حديثية معلومة عندهم ، وربما لم يصرحوا بها ولم يذكروها ، فيظن من لا دراية له أنهم مخطئون أو جاهلون على حد قول المتنبي رحمه الله تعالى :
وكم من عائب قولاً صحيحاً
|
وآفته من الفهم السقيم
|
وهذا من أهم الجوانب في هذا الكتاب .
أدب الاختلاف
في مسائل العلم والدين
عنوان يشد قارئه ليسبر غور الكتاب ويأخذ الدرة اليتيمة ، عنوان ينم لك عن مضمون الكتاب ، ولا تملك نفسك إلا بقراءة الكتاب من ألفه إلى يائه ، ولا سيما ونحن في عصرٍ تفاقم فيه الاختلاف تفاقماً كبيراً جداً ، نتج عنه انحراف متفاقم عن الخط الأدبي اللازم لطالب العلم أن يتحلَّى به ؛ لئلا ينقلب الاختلاف إلى خلاف وشقاق .
لقد استلَّ المؤلف حفظه الله تعالى يراعته ـ كالطبيب يستل مبضعه ليعالج مبتلىً ـ فأعملها وسطرت كلمات نسأل الله أن تكون له ذخراً في آخرته ، وأن تكون الترياق لكثير ممن حادوا عن الطريق المستقيم ، وأن يكون هذا الكتاب شمساً تنير حِنْدس الظلام الذي خيَّم ؛ فيوضح الدرب للسائرين ، بنماذج من اختلاف العلماء السابقين ، أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين .
فاستفتح الكتاب بذكر وبيان معنى الاختلاف ، والفرق بينه وبين الخلاف ، وأسباب الاختلاف ومجالاته ، وحكم الاختلاف في الفروع ، وشروط الاختلاف المشروع .
وأما الجانب الثاني من جوانب الكتاب . . فهو الأدب ؛ اشتقاقه ومعناه ، وحاجة المجتمع إليه ، وخاصة عند الاختلاف .
حكى الحافظ الذهبي عن يونس بن عبد الأعلى قال : ما رأيت أعقل من الشافعي ؛ ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : ( يا موسى ؛ ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة !! ) فقال الحافظ الذهبي مُعقِّباً : ( هذا يدل على عقل هذا الإمام وفقه نفسه ؛ فما زال النظراء يختلفون ) .
ثم ردَّ المؤلف ـ حفظه الله تعالى ـ على بعض شبهاتٍ تَرِد ضمن ما نحن بصدده ، فاستوعبها بحثاً ، وأيَّد ذلك بالأمثلة المفيدة .
ثم ختم المؤلف الكتاب بمبحثٍ سماه : قوارب النجاة وسبل الخلاص من الواقع المؤلم ، وههنا بيت القصيد ؛ فسبيل خلاصنا مما نحن فيه كلمة واحدة : العودة بنا إلى ما كان عليه سلفنا الصالح في العلم والعمل .
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
|
ولو عظَّموه في النفوس لعَظَّما
|
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
|